
وفي خلافة ابي بكر اجتمع عمر معه واقترح عليه جمع القرآن في كتاب لان عدداً كبيراً من الرجال الذين عاصروا النبي وحفظوا القرآن قد قتلوا في الغزوات وخاصة في معركة اليمامة ضد مسيلمة الكذاب. وقد عارض أبوبكر في بادئ الامر لان النبي لم يجمع القرآن ولم يأمر بجمعه. وبعد الحاح من عمر وافق أبوبكر على جمعه وطلب من زيد بن ثابت ان يجمعه. وقد نُسب الى زيد انه قال : ناداني ابو بكر وقال لى : ان عمر قد الح علي ان اجمع القرآن، وقد كنت معترضاً علي ذلك لان الرسول لم يجمعه في حياته، ولو كان جمعه مهماً لأمر بجمعه. ولكن قد قُتل عدد كبير من اصحاب النبي في واقعة اليمامة، وضاع معهم ما حفظوه من القرآن، واخشى ان يضيع كله ولذلك وافقت علي راي عمر.
واوكل ابو بكر جمع القرآن لمجموعة من الرجال على رأسهم زيد بن ثابت، وكان وقتها شاباً في العشرين من عمره. وقد اختلف كُتاب السيرة في عدد واسماء من ساعد ثابت في مهمته. وجمع ثابت القرآن وبوبه في سور وسلمه الى ابي بكر. وعند موت ابي بكر بعد سنتين في الخلافة، وُضعَ القران الذي جمعه ثابت في حفظ الخليفة عمر بن الخطاب، وبد وفاته عُهد به الى حفصة بنت عمر، ارملة الرسول.
ونحن لا نعرف بالتاكيد متى جُمع القرآن، لان اول شئ مكتوب ظهر عن جمع القران كان في كتاب “الطبقات” لابن سعد في عام 844 للميلاد، ثم البخاري عام 870 للميلاد وصحيح مسلم عام 874 للميلاد. واذا اخذنا في الاعتبار ان محمد توفي عام 632 للميلاد، تظهر لنا حقيقة هذا التاريخ الذي كُتب بعد مرور اكثر من مائتي عام بعد وفاة محمد وكله يعتمد على الاسناد من شخص سمع حديثاً ثم رواه لشخص آخر، وهكذا. وبما انه لم يكن هناك تاريخ مكتوب عن تلك الفترة، فالاعتماد على الاسناد لا يبعث الثقة في نفس القارئ.
فأبن سعد يخبرنا عن الصحابة الذين جمعوا القرآن في حياة النبي ويذكر منهم : أُبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وابو زيد، وابو الدرداء، وتميم الداري، وسعد بن عبيد، وعُبادة بن الصامت، وابو ايوب وعثمان بن عفان. على ان نفس الكاتب يخبرنا في صفحة 113 من طبقاته ان الذي جمع القرآن هو عثمان بن عفان في خلافة عمر، وليس في حياة الرسول كما ذكر اولا ً. وفي حديث آخر يقول ابن سعد ان عمر بن الخطاب جمع القرآن في صحف.
اما البخاري فيخبرنا ان القرآن جُمع في حياة النبي وجمعه اُبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت وابو زيد. وفي حديث آخر يقول جمعه : ابو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت وابو زيد. وفي صفحة 392 يخبرنا ان القرآن جُمع في عهد ابي بكر وليس في زمن النبي، فيقول : اخبرنا موسى بن اسماعيل، عن ابراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن عبيد بن السباك، عن زيد بن ثابت، انه قال : “بعد معركة اليمامة دعاني ابو بكر وكان معه عمر بن الخطاب، فقال لي ابو بكر : قد قُتل رجالٌ كثير من حفظة القرآن في اليمامة، واخشى ان يُقتل آخرون ويضيع شئ من القرآن. وارى ان تجمع لنا القران. فقلت لعمر : كيف تصنع شيئاً لم يصنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر : والله انه لعمل عظيم. وظل عمر يرددها حتى اطمأن قلبي لجمعه.
فنفهم من هذه القصة ان القرآن جُمع في عهد ابي بكر وجمعه زيد بن ثابت.
وفي رواية أخرى أن حُذيفة بن يمان، وكان قد حارب مع اهل الشام في فتح ارمينيا، وحارب في ازربيجان مع اهل العراق، قد اذهله تعدد القراءات في القرآن، فقال لعثمان : يا امير المؤمنين، اجمع امر هذه الامة قبل ان يحدث بينها اختلاف في كتاب الله كما حدث لليهود والنصارى. فأرسل عثمان الى حفصة وقال لها : ارسلي لنا الصحُف لنكتبها في المصاحف، ثم نردها لك. فارسلت حفصة الصحف لعثمان الذي امر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، بجمع القرأن في مصاحف. وقال لهم عثمان : اذا اختلفتم في شئ، فاكتبوه بلسان قريش لان القرآن نزل بلسانهم. وعندما جمعوا القرآن في مصاحف، رد عثمان الصحف الى حفصة وارسل مصحفاً الى كل من الكوفة والبصرة ودمشق ومصر واحتفظ بمصحف في المدينة، وامر عماله في الامصار بحرق جميع المصاحف الاخرى.
وكتاب “الفهرست” يقول ان الذين جمعوا القرآن في حياة النبي هم : علي بن ابي طالب، وسعد بن عبيد، وابو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وابو زيد، واُبي بن كعب، وعبيد بن معاوية. ونرى هنا ان “الفهرست” اضاف علي بن ابي طالب واُبي بن معاوية لقائمة الاسماء الذين ذكرهم البخاري وابن سعد.
وهناك رواية اخرى في جمع القرآن تقول ان الذي جمعه هو الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان (684-704) بمساعدة الحجاج بن يوسف. وذُكر ان الخليفة عبد الملك بن مروان قال : اخاف ان اموت في رمضان، ففيه وُلدتُ، وفيه فُطمتُ، وفيه جَمعتُ القرآن، وفيه اُنتخبتُ خليفةً للمسلمين. وذكر جلال الدين السيوطي والثعالبي هذه القصة عن عبد الملك.
وهناك قصة في “معجم ياقوت” تبين هذا الاختلاف : “كتب اسماعيل بن علي الخطبي في كتاب التاريخ قصة رجل يدعى شمبوذ في بغداد كان يقرأ ويدرّس قرآناً يختلف عن قراءة مصحف عثمان، فقد كان يقرأ بقراءة عبد الله بن مسعود واُبي بن كعب وقراءات اخرى. وكان يجادل القراء الاخرين ويتغلب عليهم، حتى ذاع صيته واصبح من الصعب تجاهله، فأرسل اليه السلطان عام 828 واُحضر الى منزل الوزير محمد بن مقلة، الذي جمع القضاة والقُراء لمحاكمته، ولم ينكر شنبوذ ما كان يُدّرس، بل دافع عنه. وحاول الوزير اقناعه بعدم قراءة المصاحف التي فيها اختلاف عن مصحف عثمان فرفض ذلك. واصر الحاضرون على عقابه حتى يمتنع عن تلك القراءات. وعندها امر الوزير بان يُجرّد من ملابسه ويُجلد حتى يوافق. وبعد عشر ضربات من العصا على ظهره، وافق الا ينشر تلك القراءات. وقال الشيخ ابو محمد السرفي ان شنبوذ هذا قد سجل عدة قراءات للقرآن.
اما الكندي، وكان نصرانياً وهو غير ابن الكندي المسلم، كتب في زمن خلافة المأمون سنة830 للميلاد، اي حوالي اربعين عاماً قبل ان يكتب البخاري، الى صديق له مسلم و قال : (الراهب بُحيرى “واسمه الاصلي سيرجياس Sergius” كان راهباً نسطورياً قد طُرد من كنيسته لذنب كان قد اقترفه، فذهب الى جزيرة العرب متطوعاً ليكفر عن ذنبه. وهناك التقى محمداً وتجادل معه. وعند موت هذا الراهب التقى طبيبان يهوديان هما : عبد الله وكعب، محمداً وكان لهما اثر كبير عليه. وعند موت الرسول، وبإيعاز من اليهود، امتنع علي بن ابي طالب من مبايعة ابي بكر للخلافة. ولما يئس من الخلافة، قدمّ نفسه الى ابي بكر بعد اربعين يوماً من موت الرسول، وعندما بايع ابا بكر، سُئل علي : يا ابا الحسن، ماذا منعك حتى الان؟ فرد عليهم : كنت مشغولاً بجمع كتاب الله الذي كلفني به رسول الله فقال بعض الحضور ان لديهم اجزاء من القرآن بحوزتهم. واتفق الحاضرون على ان يُجمع كل القرآن في كتاب واحد، فجمعوا كل ما استطاعوا عليه من صدور الرجال، مثل سورة “براءة” التي املاها عليهم احد اعراب البادية، وآيات اخرى من نفر آخرين، وكل ما وجدوه مكتوبا على الواح من عظام او جريد النخل او حجارة.) واستمر الكندي :
(ولم يُجمع في بادئ الامر في كتاب وانما تُرك كما هو في الواح. ثم ابتدأ الاختلاف في القراءآت ينتشر بين الناس، فكان بعضهم يقرأ بقراءة علي، وبعضهم قرأ بقراءة ما جُمع في الالواح المذكورة اعلاه وبعضهم قرأ بقراءة ابن مسعود او اُبي بن كعب. وعندما جاء عثمان الي الخلافة كانت القراءآت قد اختلفت في كل الامصار، فكان احدهم يقرأ آيةً مختلفة كل الاختلاف عن قراءة شخص آخر لنفس الاية. ولما عُرض امر اختلاف المصاحف على عثمان وخاف الانشقاق، امر بجمع كل ما يمكن جمعه من صحف وغيرها، مع الصحف التي جُمعت اولاً في بداية خلافته، ولكنهم لم يجمعوا ما كان عند علي. أما اُبي بن كعب فكان قد مات، واما ابن مسعود فقد طلبوا منه مصحفه لكنه رفض تسليمه لهم. وعندئذ طلب عثمان من زيد بن ثابت ومعه عبد الله بن عباس، ان يجمعا ويصححا القرآن بالتخلص من كل ما هو مشتبه به. وعندما اكتمل جمع القرآن، كُتبت اربعة نُسخ بخط كبير واُرسلت نسخة الى مكة، واخرى الى المدينة، وواحدة الى الشام والرابعة الى الكوفة.
ونسخة مكة ظلت بها الى عام مائتين هجرية حينما اقتحم ابو سراية مكة، وضاعت نسخة المصحف هذه، ويُعتقد انها اُحرقت. ونسخة المدينة ضاعت في ايام يزيد بن معاوية. وامر عثمان بجمع وحرق كل قرآن آخر غير النسخة الرسمية، ولكن ظلت اجزاء بسيطة هنا وهناك. ولكن ابن مسعود احتفظ بمصحفه في بيته وتوارثه احفاده، وكذلك مصحف علي ، فقد توارثه احفاده.
ثم جاء الحجاج بن يوسف وجمع كل المصاحف التي عثر عليها وحرقها، وكتب مصحفاً جديداً حذف منه اجزاءً كثيرة كانت في مصحف عثمان، منها آيات كانت تخص الامويين وفيها اسماء بعض الناس من بني أمية.
وارسل الحجاج ستة مصاحف جديدة الى مصر، والشام، والمدينة، ومكة، والكوفة، والبصرة. والعداوة التي كانت بين ابي بكر وعلي، وبين عمر وعثمان كانت معروفة لكل الناس، وكنتيجة لهذه العداوة، ادخل كل منهم في القرآن ما يسند موقفه ويضعف موقف الآخر، وحذف ما يضر به. فكيف إذاً نستطيع ان نفرق بين الاصل والمضاف؟ وماذا عن الاجزاء التي حزفها الحجاح بن يوسف؟)
ثم قال الكندي مخاطباً صديقه المسلم : (كل الذي ذكرت لك مأخوذ من ثقاة المسلمين، ولم اقدم اي اراء من عندي، وانما ذكرت ما كان مبنيٍ على الادلة المقبولة لكم).
ولما راى الخليفة المتوكل رسالة الكندي، طلب من الطبيب العربي المسلم، عليُ بن ربان الطبري في عام 855 ميلادية، اي بحوالي عشرين عاماً بعد ان كتب الكندي رسالته، ان يكتب رد الاسلام على هذه الرسالة. فكتب الطبري “كتاب الدين والدولة” ردأً على الكاتب النصراني ودفاعاً عن الاسلام. ولكن عندما جاء ليرد علي ما قيل عن جمع القرآن، لم يقدم اي حُجج، بل اكتفى بأن قال : “لو كان من المعقول الادعاء بان اصحاب رسول الله الورعين يمكن ان يزيفوا القرآن، فإذاً يمكن ان نقول نفس الشئ عن اتباع النبي عيسى بن مريم”. وهذا ردٌ ضعيف للغاية لأننا نعرف ان الاسلام يقول ان الانجيل والتوراة فيهما تحريف كثير.
وكانت هناك اختلافات في المصاحف، بعضها فيه زيادة وبعضها فيه نقصان. فمثلاً في سورة المائدة الاية 89 : “لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته اطعام عشرة مساكين من اوسط ما تطعمون اهليكم او كسوتهم او تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام ذلك كفارة ايمانكم اذا حلفتم”. ويخبرنا الطبري ان اُبي بن كعب وعبد الله بن مسعود اضافا كلمة “متتالية” بعد الثلاثة ايام، وبذلك تصير الكفارة اصعب على المسلم إذ يجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام متتالية.
ويظهر ان محمداً كان يغير الايات أو يضيف اليها اذا اشتكى بعض الناس أو سألوه سؤالاً، فمثلاً، كما يقول البخاري، لما نزلت الاية 95 من سورة النساء : “لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله باموالهم وانفسهم…” اشتكى رجل اعمي (ابن أم مكتوم) للنبي قائلاً : اني اعمى ولن استطيع الجهاد ولذلك سيفضل الله المجاهدين عليّ. فأضُيفت الى الاية “غير أولي الضرر” واصبحت : “لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير اولي الضرر والمجاهدون..”.
ونفس الواقعة يحكيها الواحدي النيسابوري فيقول عن زيد بن ثابت : كنت عند النبي –ص- حين نزلت عليه “لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله” ولم يذكر أولي الضرر، فقال أبن أم مكتوم : كيف وأنا أعمي لا أبصر؟ قال زيد : فتغشّى النبي –ص- في مجلسه الوحي فأتكأ على فخذي فوالذي نفسي بيده لقد ثقل على فخذي فخشيت أن يرضها، ثم سُري عليه فقال : أكتب “لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر” فكتبتها.وهذا هو نفس أبن أم مكتوم الذي عاتب الله فيه النبي عندما جاء يسأله فعبس النبي وتولى عنه، فانزل الله : “عبس وتولى إن جاءه الاعمى”.ويقول أبن عباس لما نزلت ألآية 228 من سورة البقرة : “والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلالثة قرؤء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم ألآخر” قام معاذ (أي معاذ بن جبل) فقال : يا رسول الله : ما عدة اللائي يئسن من المحيض؟ وقام رجل آخر فقال : ألا رأيت يا رسول الله في أللائي لم يحضن للصغر ما عدتهن؟ فقام رجل آخر فقال : أرأيت يا رسول الله ما عدة الحوامل؟ فنزل “واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن أرتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن”
الا نر انه لا رواية موثوقه لجمع القرآن ويتشدق البعض انا نزلنا الذكر وانا له لحافظون ….. على كل يتبع فالموضوع طويل